سورة الحاقة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)}
{ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا} أي قياسها ومقدار طولها {سَبْعُونَ ذِرَاعًا} يجوز أن يراد ظاهره من العدد المعروف والله تعالى أعلم بحكمة كونها على هذا العدد ويجوز أن يراد به التكثير فقد كثر السبعة والسبعون في التكثير والمبالغة ورجح بأنه أبلغ من إبقائه على ظاهره والذراع مؤنث قال ابن الشحنة وقد ذكره بعض عكل فيقال الثوب خمس أذرع وخمسة أذرع والمراد بها المعروفة عند العرب وهي ذراع اليد لأن الله سبحانه إنما خاطبهم بما يعرفون وقال ابن عباس وابن جريج ومحمد بن المنكدر ذراع الملك وأخرج ابن المبارك وجماعة عن نوف البكالي أنه قال وهو يومئذٍ بالكوفة الذراع سبعون باعًا والباع ما بينك وبين مكة ويحتاج إلى نقل صحيح وقال الحسن الله تعالى أعلم بأي ذراع هي والسلسلة حلق تدخل في حلق على سبيل الطول كأنها من تسلسل الشيء اضطرب وتنوينها للتفخيم وروي عن ابن عباس أنه قال لو وضع منها حلقة على جبل لذاب كالرصاص {فَاْسْلُكُوهُ} أي فادخلوه كما في قوله تعالى: {فسلكه ينابيع في الأرض} [الزمر: 21] وإدخاله فيها بأن تلف على جسده وتلوى عليه من جميع جهاته فيبقى مرهقًا فيما بينها لا يستطيع حراكًا ما وعن ابن عباس أن أهل النار يكونون فيها كالثعلب في الجبة والثعلب طرف خشبة الرمح والجبة الزج وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال قال ابن عباس أن السلسلة تدخل في استه ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود ثم يشوى وفي رواية أخرج عنهم أنها تسلك في دبره حتى تخرج من منخريه ومن هنا قيل أن في الآية قلبًا والأصل فاسكلوها فيه والجمهور على الظاهر والفاء جزائية كما في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} [المدثر: 3] والتقدير مهما يكن من شيء فاسلكوه في سلسلة إلخ فقدم الظرف وما معه عوضًا عن المحذوف ولتتوسط الفاء كما هو حقها وليدل على التخصيص كأنه قيل لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق من الجحيم ويجوز أن يكون التقدير هكذا ثم مهما يكن من شيء ففي سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا اسلكوه ففيه تقديمان تقديم الظرف على الفعل للدلالة على التخصيص وتقديمه على الفاء بعد حذف حرف الشرط للتعويض وتوسيط الفاء وثم في الموضعين لتفاوت ما بين أنواع ما يعذبون به من الغل والتصلية والسلك على ما اختاره جمع وجوز بعضهم كونها على ظاهرها من الدلالة على المهلة ورجح الأول بأنه أنسب قام التهديد وزعم بعض أن ثم الثانية لعطف قول مضمر على ما أضمر قبل خذوه إشعارًا بتفاوت ما بين الأمرين وفاء فاسلكوه لعطف المقول على المقول لئلا يتوارد حرفا عطف على معطوف واحد ويلزمه أن يكون تقديم السلسلة على الفاء بعد حذف القول لئلا يلزم التوارد المذكور ومبنى هذا التكلف البادر الغفلة عما ذكرناه فلا تغفل ويعلم منه وكل ما قيل أنه ليس في الآية ما يفيد التخصيص لأن في سلسلة ليس معمولًا لاسلكوه لئلا يلزم الجمع بين حرفي عطف بل هو معمول لمحذوف فيقدر مقدمًا على الأصل على أن تقديم الجحيم كالقرينة على كون في سلسلة مقدمًا على عامله.


{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)}
{إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم} تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة كأنه قيل لم أستحق هذا فقيل لأنه كان في الدنيا مستمرًا على الكفر بالله تعالى العظيم وقيل أي كان في علم الله تعالى المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر أنه لا يتصف بالإيمان به عز وجل والأول هو الظاهر وذكر العظيم للإشارة إلى وجه عظم عذابه وقيل للإشعار بأنه عز وجل المستحق للعظمة فحسب فمن نسبها إلى نفسه استحق أعظم العقوبات.


{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)}
{وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} أي ولا يحث على بذل طعامه الذي يستحقه في مال الموسر ففيه مضاف مقدر لأن الحث إنما يكون على الفعل والطعام ليس به ويجوز أن يكون الطعام عنى الإطعام بوضع الاسم موضع المصدر كالعطاء عنى الإعطاء أي ولا يحث على إطعام المسكين فضلًا عن أن يبذل ماله فليس هناك مضاف محذوف وقيل ذكر الحض للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل وما أحسن قول زينب الطثرية ترثي أخاها يزيد:
إذا نزل الأضياف كان عذورا *** على الحي حتى تستقل مراجله
تريد حضهم على القرى واستعجالهم وتشاكس عليهم وفيه أوجه من المدح وكان أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ويقول خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع نصفها اقتبس ذلك من الآية فإنه جعل استحقاق السلسلة معللًا بعدم الإيمان وعدم الحض وتخصيص الأمرين بالذكر قيل لما أن أقبح العقائد الكفر وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب وفي الآية دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع كالأحوال والألم يعاقبوا على ترك الحض على طعام المسكين.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14